ترجمات خاصة - قدس الإخبارية: قال الكاتب والمحلل السياسي "الإسرائيلي" جلعاد شارون إنّ الولايات المتحدة باتت هي التي تحدّد مصير “إسرائيل”، وإنّ حكومة الاحتلال أوصلت "إسرائيل" إلى حالة من التبعية الكاملة لواشنطن، حتى في أدقّ القضايا الأمنية والسياسية. وأوضح في مقالٍ نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت أنّ عودة الأسرى بوساطة أمريكية كانت بلا شكّ إنجازًا، لكنها كشفت عن مبدأ خطير رسّخته الحكومة الحالية: فقدان الاستقلال السياسي والقرار السيادي. فاليوم، كما يقول شارون، هناك “من يقرّر عنا” في البيت الأبيض، في حين تتصرّف الحكومة كما لو كانت تحت وصاية مباشرة من الإدارة الأمريكية.
ويضيف ساخرًا أنّ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قال ذات مرة: “لا تقلقوا، “إسرائيل” لا تفعل شيئًا في الضفة الغربية، إنها تتصرف بشكل جيد جدًا”، وكأنه ـ كما يتهكّم شارون ـ “استعدّ لأن يربّت بحنان على رأس نتنياهو كما يُربَّت على رأس طفل مطيع”. ويقول إنّ الأمريكيين باتوا يتوقّعون من “إسرائيل” أن تُطلعهم على أيّ عملية غير عادية في غزة، وإنّ شؤونها الأمنية تدار فعليًا من “القيادة الأمريكية في كريات غات”، حيث يصل موظف أمريكي يوميًا ليتأكّد من أنّ “حكومة الوصاية في المقاطعة تنفذ بدقة تعليمات المفوّض السامي”.
ويقرّ شارون بأنّ التحالف مع الولايات المتحدة يشكّل ركيزة في الأمن القومي لـ”إسرائيل”، لكنه يشدّد في الوقت ذاته على أنّ الكيان لا يمكنه أن يتحوّل إلى دولة تابعة أو “محميّة أمريكية”. فـ “الامتنان والتقدير” للأمريكيين مشروعان، كما يقول، لكنّ “الخنوع والتزلّف” مرفوضان. ويعبّر عن استيائه من المظاهر المفرطة في التبجيل التي رافقت زيارات المسؤولين الأمريكيين، حيث تُغلق الطرق السريعة لساعات طويلة ـ من طريق رقم 1 إلى طريق رقم 6 وشارع أيالون ومحطة قطار السلام ـ وكأن "إسرائيل" تحكمها “ديكتاتورية مظلمة”. ويرى في ذلك مزيجًا خسيسًا من التملّق لـ “العم الغني من أمريكا” ومن الاستخفاف بوقت ملايين الإسرائيليين، داعيًا إلى نقل الضيوف بطوافات بدل تعطيل حياة الناس.
ويذكّر شارون بأنّ نتنياهو كان قد أعلن في 14 أغسطس خمسة شروط لإنهاء الحرب على غزة: نزع سلاح حركة حماس، واستعادة جميع الأسرى أحياءً وأمواتًا، ونزع سلاح القطاع، وفرض السيطرة الأمنية لـ”إسرائيل” عليه، وإقامة إدارة مدنية لا تتبع لحماس. إلا أنّ الحرب انتهت من دون تحقيق أيٍّ من هذه الشروط، كما يقول، لأنّ “الأمريكيين قرروا، والحكومة انصاعت”. ويضيف أنّ رئيس حكومة الاحتلال اضطرّ إلى التراجع عن كلّ ما أعلنه سابقًا، وأنّ الوزراء والداعمين الإعلاميين الذين برّروا الاستمرار في الحرب بحجّة استحالة وقفها، هم أنفسهم اليوم من يبرّرون سبب وجوب انتهائها، “من دون حتى أن يأخذوا نفسًا بين الموقف ونقيضه”.
وفي سياق أشدّ حدّة، يهاجم شارون وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ويقول إنّ رئيس الحكومة وبن غفير كانا يعلمان منذ قرابة عام أنّ تصريحات الأخير تضرّ بالأسرى الإسرائيليين وتزيد من معاناتهم في الأسر، وإنّ جهاز الشاباك حذّرهما بوضوح وطلب وقف تلك التصريحات، لكنّ كليهما لم يفعل شيئًا. ويصف بن غفير بأنه “مختلّ تمامًا” يسعى وراء العناوين الإعلامية “ولو على حساب عذاب الأسرى في الأنفاق”، متسائلًا: “لكن ما هو عذر رئيس الحكومة؟ أليس بإمكانه أن يطلب منه الصمت لبعض الوقت حفاظًا على حياة الناس؟ أيّ نوع من البشر أنتم؟ لقد أودع الناس حياتهم بين أيديكم، وأنتم غير مؤهّلين لها ولا تستحقونها”.
ويختتم شارون مقاله بنبرةٍ سياسية ناقدة تعكس مأزق اليمين الإسرائيلي نفسه، فيقول إنه لا يريد حكومة يسارية تعتمد على “الحركة الإسلامية”، لكنه في الوقت ذاته يرفض أن تتحوّل “إسرائيل” إلى دولة وصاية أمريكية، ويرفض الفوضى الأمنية والجريمة المنتشرة، وانهيار سلطة الدولة في النقب، وتعيين وزراء فاشلين، وطمس التحقيق في الإخفاق الأمني، و”صفقات الخضوع للأحزاب الحريدية”. ويؤكد أنّ الخيار ليس بين “اليسار الضعيف” و”اليمين الفاسد”، بل بين عودة التعقّل والقدرة على القيادة، وبين استمرار هذا “الجنون” الذي يسود الحكومة. وبرأيه، فإنّ “إسرائيل اليوم لا ينقصها المال ولا القوة، بل الرجال العقلاء القادرون على وقف هذا التدهور”.



